الأحد، 11 نوفمبر 2012

عبد الناصر والجماعة من الوفاق إلى الشقاق


عبد الناصر والجماعة من الوفاق إلى الشقاق



الإمام الشهيد حسن البنا


بداية علاقة عبد الناصر بالإخوان


تمكن عبد المنعم عبد الرءوف من تجنيد جمال عبد الناصر وضمه "للجمعية السرية لضباط الجيش" عام 1944 ، وظل عبد الرءوف طيلة المدة من 1944 وحتى 15 مايو 1948 هو المسؤول عن التنظيم السري داخل الجيش ،متعاونا مع الفريق عزيز المصري والشيخ حسن البنا والصاغ محمود لبيب ،وهناك بعض المصادر التي تشير إلى أن ارتباط عبد الناصر بالإخوان كانت عن طريق الشيخ الباقوريٍ.
في هذه الفترة أعجب بعض ضباط الجيش بما كانت تتميز به جماعة الإخوان من الإنضباط والروح المحاربة ،وقد استجاب الإخوان وألحقوا الضباط الذين تجاوبوا معهم بالنظام الخاص، وتم اتصالهم بعبد الرحمن السندي في سرية مطلقة حيث ،وتم تخصيص الشيخ سيد سابق ليعطيهم دورسا في الفقه والثقافة الإسلامية عوضا لهم عن عدم حضورهم محاضرات الإخوان العامة.
ولما كثر عدد المنتسبين من الضباط في النظام الخاص وضاقت قدرات عبد الرحمن السندي وثقافته عن تلبية نوازعهم الفكرية وأشواقهم إلى العمل الجدي، أفرد لهم حسن البنا قسما خاصا يرأسه الصاغ محمود لبيب وكيل الإخوان وقتئذ . وأطلق محمود لبيب اسم الضباط الأحرار على هذا القسم التابع للإخوان داخل الجيش..

عبد الناصر والاستقلال بالتنظيم

ولكن ما لبث حماس الضباط للإخوان أن فتر سنة 1946 فقرروا البعد بحركتهم عن أية صلة بالإخوان وأن تقتصر على الجيش وتولدت لديهم الرغبة في التحرر من ارتباطهم بالإخوان وبدأ عبد الناصر في تحويل ولاء الضباط له دون علم الصاغ محمود لبيب ٍخاصة بعدما ضاق الضباط حين وجدوا أنفسهم وقد سجلت أسماؤهم في فصول لتعليمهم –بواسطة مدنيين- كيفية استخدام البندقية وفكها ،مع أنهم كانوا يتوقعون أن يستعان بهم في التدريب العسكري لأعضاء الجماعة ، كما وجد هؤلاء الضباط مشاكل تنظيمية داخل الجماعة يستحيل معها اختراق حاجز التدرج الهرمي للمراتب .
وفي عام 1945 بدا أن لجمال عبد الناصر اعتراضات جوهرية على أسلوب الإخوان ومنهجهم في نشر الفكر الإسلامي عن طريق التربية والتعليم حتى تصبح له أغلبية شعبية تضغط على الحكومة لتنفيذه وإلا قاموا بالمظاهرات والإضرابات والعصيان المدني، ورأى عبد الناصر" أن هذا الأسلوب سيطول جدا وربما يتعذر تنفيذه ولا يجعل لنا نحن ضباط الجيش دورا ملموسا وسنكون تابعين لا متبوعين".

وابتداء من عام 1950 بدأ عبد الناصر في إعادة التنظيم السري لضباط الجيش والذي توقف عام 1948 وبدأ يضم عناصر أخرى من غير الضباط الإخوان ،وخاصة الضباط الذين قاسموه محنة الفالوجا وغيرهم ممن يلمس فيهم الشجاعة والكتمان . وبموت حسن البنا ومحمود لبيب انقطعت صلة الإخوان بضباط الجيش وبدأ عبد الناصر يستقل بالتنظيم
وقد حدث خلاف بين عبد المنعم عبد الرءوف وجمال عبد الناصر حول تبعية تنظيم الضباط الأحرار للإخوان المسلمين .. وقد بدأ ذلك منذ عام 1943 .. وتدريجيا رفض عبد الناصر وبقية الضباط هذه التبعية فانسحب عبد المنعم عبد الرءوف من لجنة قيادة الضباط الأحرار وحل محله عبد الحكيم عامر عن سلاح المشاة ،وكان لهذا الخلاف جذور ،ومن مظاهره ما حدث عندما قام جمال عبد الناصر وعبد المنعم عبد الرءوف وأبو المكارم عبد الحي وكمال حسين بزيارة السندي بمستشفى قصر العيني – وكان محبوسا في قضية السيارة الجيب - وكان بين الزائرين خلاف كبير في الرأي .. فجمال عبد الناصر يقول إن منهج الإخوان طويل طويل ولا يوصل إلى شيء ،فما جدوى أن تجمع الضباط في مجموعات لحفظ القرآن والحديث ودراسة السيرة ..إلخ ،وما ضرنا لو انضم إلينا ضابط وطني من غير دين الإسلام؟ وهكذا أصبح جمال عبد الناصر – وباعتراف قادة الإخوان – هو الشخص الوحيد الذي أشرف على تنظيم الضباط الأحرار بعد حرب فلسطين عام 1948 وكان يعرف الضباط كلهم واحدا واحدا وفي يده كل خيوط التنظيم.
وأمسك عبد الناصر في يده منذ عام 1950 بكل أمور التنظيم السري واستطاع ابتداء من هذا التاريخ إقناع الضباط المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين بعدم الاتصال بالإخوان خشية اكتشاف الحركة.

حادثةالمنشية كما يرويها القرضاوي


(في 4 أكتوبر زار "يوسف طلعت" الهضيبي في الإسكندرية، وأخبره بوجود الكثير من البلبلة واللبس الفكري في الصفوف حول أفضلية ما يجب عمله ونوع ذلك العمل، وطلب من المرشد أن يخرج على الناس، حتى يوضح الأمر، ويرفع من الروح المعنوية المتدهورة للجمعية، وقد أجاب الهضيبي أن مكتب الإرشاد يرغب في أن يبقى مختفيا، كما أخبره أنه أحس بالقلق في الأيام القليلة الماضية من خشية احتمال وقوع عنف واغتيال، وأضاف: "إذا أردتم القيام بمظاهرة تؤيدها جميع طبقات الشعب، فذلك هو الصواب"، ومع ذلك فيجب أن تقتصر المظاهرة على المطالبة "بحرية الصحافة، وبمجلس نيابي، وبعرض اتفاقية الجلاء على الشعب"، كما يجب أن تكون "مظاهرة شعبية"، وأكد: أنه يرفض قبول أي "عمل إجرامي"، مؤكدا أنه يعتبر نفسه "بريئا من دم أي شخص كان".

بهذا الوضوح الذي يضاهي شمس الضحى في الظهور، كان جواب المرشد العام الأستاذ الهضيبي عليه رحمة الله، وكان رجلا مستقيم الفكر والسلوك لا يعرف الالتواء، ولا اللعب بالألفاظ، فلا يمكن أن ينسب إليه أحد من المفترين أنه وافق على أي خطة فيها اغتيال. وقد وضح الصبح لذي عينيين.

في هذا الوقت كان هناك شخص واحد، يفكر وحده في علاج هذه القضية ـ قضية علاقة الإخوان بالثورة ـ بطريقته الخاصة. هذا الشخص هو هنداوي دوير المحامي.

وأنا أعرف هنداوي دوير وأعرف نوع تفكيره، فقد لقيته عدة مرات بالمحلة الكبرى، إذ كان يعمل في مصنعها قديما

قبل أن يحصل على ليسانس الحقوق، وينتقل إلى القاهرة، ومن عرف "دوير" عرف أنه رجل ذكي، ورجل مغرور، ورجل متحمس عجول. كما أنه رجل مخلص للدعوة لا يمكن أن يتهم بخيانة أو عمالة للخصوم.

تفكير هنداوي دوير يقوم على أن هذا النظام يعتمد في بقائه على شخص واحد، هو سنده وعموده الأساسي، فإذا سقط هذا الشخص سقط النظام كله، هذا الشخص هو جمال عبد الناصر، وكيف يذهب أو يسقط عبد الناصر عمود النظام الثوري؟ إنه أمر في غاية السهولة: رصاصات يطلقها رامٍ ماهر في صدره، فيخر صريعا، ويخر معه نظامه أيضا.

فهل عجزت جماعة كبرى كالإخوان أن يكون فيها رام ماهر؟ كلا. بل هو موجود، بل هو أقرب ما يكون إليه. إنه في شعبته نفسها. إنه الشاب الرامي الحاذق (النشانجي) محمود عبد اللطيف السباك أو السمكري المعروف.

ما أبسطه من حل، وما أسهله من علاج، لا يحتاج إلى جماعات مسلحة، ولا إلى تدبير انقلاب على نظام الحكم، وما يحتاج إليه من إمكانات وتدبيرات، وما يحوط به من محذورات وتخوفات. بخلاف هذا الحل الذي يقوم على مجرد يد رامية ماهرة وعدة رصاصات!!

ولم يفكر المحامي الذكي المعجب بنفسه: ما العمل إذا أخفق هذا الحل، وفشلت هذه الخطة؟ لم يسمح لنفسه أن يفكر في الوجه المقابل؟ بل افترض النجاح أبدا.

اختار هنداوي دوير محمود عبد اللطيف، وأوهمه أنه مكلف من قيادة الإخوان باغتيال عبد الناصر. ودوير هو رئيسه في شعبة إمبابة، وله عليه حق السمع والطاعة. وكما يقول ريتشارد .ن- ميشل: أمهله ثلاثة أيام ليتخذ قراره.

وفي 19 أكتوبر ـ وهو اليوم الذي أمضى فيه عبد الناصر المعاهدة مع بريطانياـ قبل عبد اللطيف مهمة اغتياله بسبب "ارتكابه الخيانة" بإمضاء المعاهدة التي "ضيعت حقوق البلاد"، ووضعت الخطط للقيام بهذا العمل في نفس اليوم، إلا أن الظروف التي أحاطت بعبد الناصر في الاجتماعات العامة لم تساعد على تنفيذ الخطة بنجاح، وبناء على ذلك فقد أجّل تنفيذها لوقت أكثر ملاءمة.

وفي 24 أكتوبر قام كمال خليفة وكان من أكثر أعضاء مكتب الإرشاد احتراما بزيارة لجمال سالم نائب رئيس الوزراء، وقدم التهنئة للحكومة على إكمالها المفاوضات وإمضائها للمعاهدة، وشاع من مصادر يعتد بها أن الهضيبي قرر إصدار بيان جديد يبين فيه انطباعه الحسن عن المعاهدة، على خلاف انطباعه عن الخطوط الرئيسية السابقة للاتفاق، واستمرت "لجنة الاتصال مع الحكومة" في جهودها لرأب الصدع. وفي عصر يوم 26 أكتوبر كان أحد أعضاء مكتب الإرشاد، في مكتب أنور السادات ليطلب تحديد موعد مع رئيس الوزراء لحل بعض المشاكل القائمة، وفي نفس الوقت زار عبد العزيز كامل أحد الأعضاء البارزين في الجماعة ورئيس قسم الأسر منزل صديقه هنداوي دوير[1]الذي كان زميلا له في شعبة إمبابة بقسم القاهرة، ولم يذكر دوير لعبد العزيز كامل آنئذ أنه عمل على إرسال عبد اللطيف إلى الإسكندرية في صباح ذلك اليوم كجزء من المؤامرة الإرهابية.

وفي المساء حيث وقف عبد الناصرأمام جموع حاشدة، ليذكر مصر وجهوده الوطنية الشخصية، وليحتفل بنتائجها التي تجلت في اتفاقية الجلاء، أطلقت عليه النار ثماني مرات، وتوقف رئيس الوزراء لحظة ستظل ذكراها الحزينة باقية لأمد طويل، وقطع خطابه حينما دوت الطلقات النارية، ثم استأنف الكلام، وقد تمكن وحده من حفظ النظام حينما اخترق أثر هذه الرصاصات نفوس الجماهير، ولم تمض ساعات حتى أذيعت كلمات عبد الناصر في تلك اللحظة وتكررت إذاعتها في القاهرة ومنها إلى سائر العالم العربي. قال عبد الناصر:

"أيها الشعب ... أيها الرجال الأحرار... جمال عبد الناصر من دمكم، ودمي لكم، سأعيش من أجلكم، وسأموت في خدمتكم، سأعيش لأناضل من أجل حريتكم وكرامتكم. أيها الرجال الأحرار... أيها الرجال... حتى لو قتلوني فقد وضعت فيكم العزة، فدعوهم ليقتلوني الآن، فقد غرست في هذه الأمة الحرية والعزة والكرامة، في سبيل مصر وفي سبيل حرية مصر سأحيا، وفي خدمة مصر سأموت

عند ذكر حادثة المنشية المأساوية لابد من التذكير بتصريح مدير المخابرات المصرية آنذاك حسن التهامي في تصريح لجريدة كويتية نهاية الثمانينات. عن زيارة خبير امريكي اوصى ان يتم افتعال حادث اعتداء على عبدالناصر لزيادة شعبيته و اتاحة الفرصة له للقضاء على خصومه الرئيسيين . لا يمكن استثناء هذا التصريح في مثل هذا الحادث الغامض الذي لا يحيط بتفاصيله كثير من قادة الاخوان الذين ارخوا لهذه المرحلة التاريخية . حتى ان بعضهم كان ميالاً لتصديق الرواية الرسمية لأن
هنداوي دوير كان يهدد باغتيال عبد الناصر علانية وعلى رؤوس الاشهاد . واعتقد ان عبدالناصر قد التقط طرف خيط التهديد منه واستطاع الاعتماد على ذلك في تثبيت تهمة محاولة الاغتيال ضد الاخوان .


جمال عبد الناصر بين الشيخ محمد فرغلي والأستاذ محمد حامد أبو النصر قبل أن ينقلب على الإخوان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق