السبت، 19 مارس 2011

أحمد كمال أبوالمجد نائب رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان السابق: الاستفتاء «زى قِلِّته».. وإذا لم يبدأ البناء فوراً سنتعرض للإفلاس

     ١٩/ ٣/ ٢٠١١
تصوير- محمد عبدالوهاب
أحمد كمال أبوالمجد
وصف الدكتور أحمد كمال أبوالمجد، نائب رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان السابق، عملية الاستفتاء على التعديلات الدستورية مؤخرا، بأنها عديمة القيمة و«زى قلتها». وقال إنه كان يجب منح المواطنين الوقت الكافى لتقييم هذه التعديلات، قبل طرحها للاستفتاء. وأضاف إن الاتهامات المتبادلة بين عدة تيارات حاليا تشبه حربا أهلية وحذر من عواقبها حال استمرارها.
وقال «أبوالمجد»، فى حواره  إن مصر إذا لم تبدأ ترتيب أوضاعها وإعادة بنائها فى أقرب وقت ممكن، فإن الخزانة المصرية ستتعرض للإفلاس، إذ ستبلغ خسائرنا، على حد تقديره، مئات المليارات من الجنيهات. وتابع: لابد أن نتفرغ لبناء الاقتصاد الذى وصل حاله إلى درجة بالغة السوء.. وإلى نص الحوار:
■ بداية كيف ترى الوضع حاليا.. وما تقييمك لـ«سلبيات الثورة»؟
- المصرى يكره القراءة كما تكره شعوب اﻷرض الموت، وزيادة «شوية»، ﻷنه ﻻ يقرأ، وأتمنى أن أرى استطلاعا للرأى على ١٠ أشخاص من المتحمسين جدا لإنهاء حالة الطوارئ ويطرح عليهم سؤال واحد هو: هل قرأت قانونى الطوارئ والدستور؟ ستجدين الإجابة: ﻻ لم أقرأهما! مع أن قراءة قانون الطوارئ لن تستغرق وقتا أكثر من ١٠ دقائق، لكنه لم يقرأه ﻷن فيروس كره القراءة يستولى على كل من يحمل جواز سفر أخضر، فحينما أقول إنه يكره القراءة كما يكره الناس الموت، أعنى ما أقوله ودون مبالغة، ففى الخارج إذا اكتشف أن أحد الصحفيين لم يقرأ الدستور، يفصل ويعاد ليفصل ثم يعاد ليفصل، لكن تجدين فى مصر أن بعض رؤساء التحرير لم يقرأوا الدستور وﻻ قانون الطوارئ!
■ ﻻ تقصد بالطبع جميع المصريين؟
- أقصد القاعدة فعندما أسمع شخصا مصريا مثقفا ويحمل دكتوراة يقول: «لسه هاننتظر النيابة تحقق دول يستحقوا الإعدام دون محاكمة، وقد رأيت أشخاصاً كانوا من أشد أعوان النظام الماضى وعندما تم القبض على أشقائهم تغيروا ١٨٠ درجة، فتعجبت وقلت فى نفسى: إذا لم يدق الخطر باب بيت شخص ما ﻻ ينصر المظلوم!، ثم نفاجأ بمن «يلخبط نظام الكون ويلخبط المشيئة الإلهية ويردد أن مصر محروسة.. كيف ولماذا؟» هى مصر عند ربنا عضو فى الحزب الوطنى، فإذا حدث ما يحرسها تكون محروسة والعكس صحيح، ونحن نتحدث عن مسؤولية شعب هو ونظامه فمثلما تكونوا يولى عليكم.
■ إن كانت هناك قائمة باﻷولويات .. ما اﻷولوية الأولى؟
- تغيير الثقافة وتغيير النظام التعليمى على رأس قائمة اﻷولويات.
■ كيف ترى شباب الثورة؟
- أنا ممن يؤمنون بالجيل الجديد، وأنه قد أتيح لهم ما لم يتح لنا فالعلم على أطراف أصابعه.
والمعلومات والقدرة على استخدام الـ«آى تى» Information Tecnologey ضعف الجيل السابق له بعشرات المرات، لكن ﻻبد أن يستفيد من رؤية وتراكم خبرات الجيل القديم.
■ ما ذكرياتك عن فترة سجنك؟
- لقد سجنت فى السجن الحربى فى عهد عبدالناصر، وحقق معى شمس بدران، وتم حبسى حوالى خمسة أسابيع فى زنزانة طويلة عرضها ١٧٠ سنتيمتراً وسقفها عال، ولم أعذب لكنى رأيت آخرين يتم تعذيبهم.
■ ماذا كان سبب حبسك؟
- اسألى من حبسونى، فأنا حتى اﻵن ﻻ أعلم ما سبب حبسى.
■ ما الذى حدث بعد خروجك من الحبس؟
- تم إقصائى خارجاً فى منصب مستشار ثقافى فى سفارة مصر فى واشنطن، وكنت أقول دائما رب نقمة أتت بنعمة، حيث كانت هذه الفترة من أخصب أيام حياتى وأوﻻدى تعلموا تعليما جيدا وأكتسبت خبرات.
■ ما أهم درس تعلمته؟
- أهم درس أن المواطن الخائف يكون مشلولاً، والمواطن الطامع ﻻ يؤتمن، فما بين الخوف والطمع أذى لمصر، والحل هو الديمقراطية وسيادة القانون، فأعلم أنه لن تمسسنى قوة فى اﻷرض إﻻ إذا كنت مذنبا، وأن الانسان برىء حتى تثبت إدانته، وهذا الكلام أوجهه للمصرى الذى يظل فرعونا حتى يُطرق بابه، أو يظل خادما للفرعون حتى يعفى من أسر هذا الفرعون، وهو ما يفسر حالات بعض من غيروا موقفهم ١٨٠ درجة بمجرد أن ذهب الرئيس السابق.
■ ألهذا قلت إن ما يحدث حاليا حرب أهلية؟
- ليس هذا فقط بل قصدت حالات النهم والتشفى المنتشرة مؤخرا، فعلى سبيل المثال اتصل بى أحد اﻷشخاص وقال لى مستنكرا: «عاجبك كده أهم خدوا عصام شرف رئيس وزراء»، فقلت له: وما العيب فى ذلك؟ فرد قائلا: سأبعث لك ملفا به كل مشاكله وانحرافاته، فهذا النهم فى الإدانة وإلصاق التهم والشكوى هو ما أسميه حربا أهلية.
■ هل لكل ثورة سلبياتها وإيجابياتها؟
- كل ثورة لها خصوصيتها، لكن هناك منحنى مقلوباً فى كل الثورات، فالمرحلة اﻷولى عادة ما تكون مرحلة اختمار اﻷسباب المجتمعية لقيام الثورة وسرعتها تختلف من زمن إلى آخر ومن بيئة إلى بيئة، وقصر المدة أو طولها مرتبط بأبواب التنفيث عن الرأى المكبوت، فلما توجد وسائل التنفيث يستغرق اختمار أسباب الثورة وقتا أطول، لكن عندما توجد حدة فى غلق اﻷبواب تكون مدة الاختمار قصيرة والانفجار يأتى أسرع، وهذا ما حدث، أما المرحلة الثانية بعد قيام الثورة، هى الهجوم على النظام القديم، ويصاحب هذا الهجوم معركة غير معلنة وغير منظورة بين أنصار النظام القديم والنظام الجديد، ودائما ما يحدث فيها تجاوزات بين جميع الأطراف، وهى تهدد المجتمع بأنه ينتقل من ثورة إلى حرب أهلية ولو بالكلمة، أما المرحلة الثالثة فتكون اﻻستعداد للبناء، فالثورة تلغى نظاماً قائماً لتأتى بنظام حديث ﻻ يتم استيراده وإنما أنت تبنيه، وبناء نظام جديد يحتاج إلى وقت أطول.
■ ما مدى خطورة الحرب اﻷهلية حتى ولو بالكلمة؟
- الخطورة تكمن فى أن يشتبك الناس بعضهم ببعض، فيستنفدوا جميعا الطاقة الإجمالية للمجتمع وهو ما يجعل عملية البناء أصعب ويتم تعطيلها، ولذلك إنهاء المرحلة اﻷولى ضرورى مع استمرار حراسة الثورة، ﻷن الساحة مليئة ويخطئ من ينظر إلى الساحة النظرة «الجوانية» التى أوجدناها نحن المصريين، حيث ﻻ نرى أى شىء خارج الحدود إنما قد نؤتى من خارج الحدود بطريقة أو بأخرى، فالعالم حاليا يعيش فى ثورة اتصالات ومن خلال «تويتر» مثلا تستطيع متابعة أخبار أى مكان فى العالم فى ثوان.
َ■ هل أنتهينا من المرحلة اﻷولى؟
- نحن لا نزال فى «ذيولها» ﻷن الخطاب المتبادل بين المؤسسات القائمة بالحكم فى هذه الفترة اﻻنتقالية وبين جماهير الثوار، لم يكن بالوضوح الكافى وﻻ بالسرعة الواجبة واﻻستجابات كانت بطيئة ومتثاقلة، لكن يوجد تحسن ألحظه أثناء متابعتى ﻻجتماعات المجلس اﻷعلى للقوات المسلحة والذى منذ أن آلت إليه اﻷمور والتحسن واضح وكذلك قدرة الشباب على اﻻستماع ورغبتهم فيه تحسنت، وهى مؤشرات مبشرة، لكن ﻻبد أن نبدأ فى البناء ونتفرغ له ﻷن اقتصاد البلد حالته صعبة وإﻻ سيصبح المستقبل صعبا، وفى تقديرى ولا أقول أمنيتى فحسب، أن المرحلة الحالية تتميز بـ«الميوعة» وتبادل الاتهامات والشك المتبادل ونقص الثقة ولن تطول.
■ هل يصح أن نستبدل المسميات السابقة من ميوعة ونقص ثقة وشك متبادل بمسمى واحد هو الفوضى؟
- ﻻ أريد أن أسميها فوضى ﻷننا نتكلم عن آفات تعترض طريق البناء وتريد فعلا أن تعطله ونحن نبدأ من نقطة اقتصادية صعبة جدا، إذ إن مستوى المعيشة متدن عند ملايين المصريين وغير إنسانى، والفارق بين اﻷغنياء جدا والفقراء جدا ليس فارقاً ضخماً جدا فقط وإنما الطبقات الدنيا مستواها هابط لدرجة أنها لا تعيش بمستوى إنسانى.
■ إن لم نبدأ البناء فورا ما حجم الخسائر التى قد نتكبدها؟
- ستصل الخسائر إلى مئات المليارات، بل قد تفلس الخزانة المصرية، فهناك خطر حقيقى ينبغى أن نتنبه له ومهم جدا، هو إيقاظ الوعى بأخطار المستقبل دون الوقوع فى النظرة التشاؤمية.
■ لماذا تم استبعادك من اللجنة اﻷولى لتعديل الدستور؟
- ﻻ أريد أن أسميها استبعاداً، وإنما لماذا تم تشكيل لجنة ثانية.. السبب واضح وهو أن اللجنة اﻷولى كان تكوينها صادراً بقرار من رئيس الجمهورية السابق، ولتصبح التعديلات الدستورية فى يد مجلس ما بعد ٢٥ يناير، كان طبيعيا أن تشكل لجنة جديدة تصدر بقرار من هذا المجلس.
■ ممن تكونت لجنة تعديل الدستور اﻷولى؟
- كان تشكيلها سهلاً جدا فكان يرأسها رئيس محكمة النقض، المستشار سرى صيام وقاضيان من المحكمة الدستورية وقاضيان من مجلس الدولة وقاضيان من القضاء العالى ومجموعة من فقهاء القانون الدستورى كنت واحدا منهم، واجتمعنا مرة واحدة، ولما تنحى الرئيس أصبحت الأداة التى أنشأت هذه اللجنة من العهد القديم، فتم تشكيل لجنة جديدة برئاسة المستشار طارق البشرى، وهو صديق وأخ عزيز، وقليلون بقوا وكثيرون خرجوا وكنت منهم.
■ ما تقييمك للتعديلات التى أعلنت عنها اللجنة؟
- ليس لدى أى اعتراض على هذه اللجنة وأكثر توصياتها وليست كلها أؤمن أنها فى الطريق الصحيح ومطمئن إليها.
■ هل نحن فى حاجة إلى تعديل دستور أم دستور جديد؟
- أحيانا الكلمات لدينا تتداخل فتفسد ما نقوم به من عمل، فمثلا هذه اللجنة اجتهدت اجتهاداً مشكورا وأضافت إلى المواد التى يوجد تكليف صريح بتعديلها مادتين ثلاث أربع غير واردة فقيل إنها غير مرتبطة به لأكون أكثر توضيحا الدستور وحدة عضوية وبالتالى فمن الأفضل أﻻ يتم «ترقيعه» وإنما يتم تعديله بالكامل أى عمل دستور جديد.
■ هل تنحى الرئيس وتسليمه السلطة للمجلس اﻷعلى للقوات المسلحة تم بطريقة قانونية صحيحة؟
- توجد ظاهرتان هما مسار الشكوى وتحتمان تعديل هذا الدستور، وهما تأبيد السلطة، وهى المادة التى كانت تحدد اختصاصات رئيس الجمهورية، وكانت تجيز تجديد رئاسته لمدد أخرى، والثانية كانت تعمل على تركيز السلطة فى يده، وكانت موزعة على عدة مواد تجعل الرئيس الجديد فرعون «أس ١٠»، ويكاد يكون التنظيم الهيكلى استقر على مادة وحيدة غير معلنة تقول: القول فى كل شىء ما قال الرئيس، ولم يقرأ أحد هذه المادة، فرئيس الجمهورية فى يده الحل والربط وما بينهما، وهذا ما نسميه تركيز السلطة، ووجود نصوص ينتج عنها تركيز السلطة من ١٠ إلى ١٢ مادة لم تعدل تحتم تعديل الدستور كله، ﻷنها روح تسرى فيه، وإذا عدل كله باستثناء مادتين قد تحدث انتكاسة فى المواد اﻷخرى.
■ قلت إن أكثر التوصيات التى خرجت بها اللجنة فى الاتجاه الصحيح.. ماذا عن بعضها الآخر؟
- بعض التعديلات تختار حلاً من بين حلول متاحة، فمثلا بالنسبة للطعن فى النظام القائم الذى ينظر فى الطعون المقدمة فى انتخابات مجلس الشعب محكمة النقض، أو إذا رفعت دعاوى أمام القضاء الإدارى ينفذ حكم محكمة القضاء الإدارى، لكن ما حدث غير ذلك، حيث طلعت البدعة السيئة القائلة إن المجلس سيد قراره.. ما فيش حاجة اسمها سيد قراره، وإنما يوجد دستور يحكمنا جميعا، وﻻ توجد سلطة مطلقة، وإنما السلطة تقديرية، لذلك أغلب الفقهاء وأنا منهم من أنصار أن يعدل الدستور كله.
■ لماذا لم يقدم الرئيس استقالته.. ولماذا لم تنشر فى جريدة رسمية؟
- لدينا قاعدة فى الشرائع كلها بدءاً من الشريعة الإسلامية مرورا بالقانون الرومانى والنظام الأنجلو ساكسونى تقول: «إن العبرة بالمقاصد والمعانى فى تفسير النصوص وليست باﻷلفاظ والمبانى».
■ ما وضع حقوق الإنسان فى ظل الدستور القديم؟
- كم هائل من اﻻستثناءات واﻻنتهاكات، التى يمكن أن يتعرض لها إنسان وسأدلل على صدق كلامى بالمادة رقم ٣ فقط، التى تقول: «لرئيس الجمهورية متى أعلنت حالة الطوارئ بأمر كتابى أو شفوى، أو بأمر غيابى اتخاذ التدابير اﻵتية: ١- وضع قيود على حرية اﻷشخاص فى اﻻجتماع واﻻنتقال والإقامة والمرور فى أماكن أو أوقات معينة، والقبض على المشتبه فيهم أو الخطرين على اﻷمن والنظام العام واعتقالهم، والترخيص بتفتيش اﻷشخاص، واﻷماكن دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية، وكذلك تكليف أى شخص بتأدية أى عمل من اﻷعمال. ٢ - اﻷمر بمراقبة الرسائل أياً كان نوعها ومراقبة الصحف والنشرات والمطبوعات والمحررات والرسوم وكل وسائل التعبير والدعاية والإعلام قبل نشرها، ويجوز ضبطها ومصادرتها وتعطيلها وإغلاق أماكن طبعها. ٣ - تحديد مواعيد بدء فتح المحال العامة وإغلاقها، وكذلك اﻷمر بإغلاق هذه المحال كلها أو بعضها. ٤ - الاستيلاء على منقول أو عقار، واﻷمر بفرض الحراسة على المؤسسات والشركات، وتأجيل أداء الديون واﻻلتزامات المستحقة. ٥- سحب التراخيص بالأسلحة أو الذخائر أو المواد القابلة للانفجار والمفرقعات واﻷمر بتسليمها وضبطها. ٦ - إخلاء بعض المناطق أو عزلها وتنظيم وسائل النقل وحصر المواصلات وتحديدها بين المناطق المختلفة، وهنا توقف الدكتور أبوالمجد قائلا: ما يصيب بالإهانة والجرح أنه يجوز بقرار من رئيس الجمهورية توسيع دائرة هذه الحقوق المبينة فى المادة السابقة.. يوسعها أكثر من كده إيه، ولماذا لم ينتبه أحد إلى هذا؟ ﻷننا أمة ﻻ تقرأ، وتفضل سحب الشيشة ولعب الطاولة والنميمة على أن تقرأ، شىء محزن جدا إلى قيام الساعة، لذلك كان ينبغى على اﻷحزاب والكتاب والمواطنين إعطاء هذا الدستور الوقت، الذى يستحقه من اﻻهتمام.
■ ما تقييمك للدور الإعلامى فى الفترة الماضية؟
- لقد عملت ما أطلق عليه «مجسات» تجعلنى أذهب كل ثلاثة أشهر إلى اﻷحياء الشعبية والمناطق الفقيرة، فمثلا فى منطقة بولاق وأمام مسجد أبوالعلا توجد «حارة الصوفى» هذه الحارة مظلمة فى وضح النهار، رطبة بالليل والنهار، فيها كثافة سكانية مرتفعة ومليئة بالبؤس، فى حين أن أغبياء الأعمال الدرامية والسينما على مدى السنوات الأخيرة كانوا يركزون فى أغلب أعمالهم، إن لم يكن جميعها، على التصوير فى الفيلات والشقق الفاخرة، وكأن مصر هى الزمالك والمدن الجديدة ومصر الجديدة، حتى إن من يشاهد هذه اﻷعمال يظن أن مصر كلها أغنياء!، لماذا لم يفكر أحد فى «البنا» عامل البناء، الذى يحمل اﻷسمنت، ويطلع على السقالة كى يبنى القصور الفاخرة والفيلات وحياته عرضة للخطر، وهنا ﻻ أقول بوجوب أن يعيش الجميع فى فيلات، وإنما أقصد أن السياسة اﻻجتماعية تقرب الفوارق بين الطبقات، وهناك فرق بين أن توجد فجوة، وبين أن أنظر إلى أن الفقراء فى مصر لا يعيشون عيشة إنسانية بل عيشة الكلاب، وهذا ما يسبب الثورات، صحيح أن الفوارق ﻻبد أن تكون متواجدة، وكانت موجودة فى أيامنا، لكن والله كان الفقير يعيش مستورا.
■ كيف نبدأ فى بناء الثقة؟
- بناء الثقة عملية تدريجية، فإذا صدقت مرة فلن يكتفى الناس بها، فلابد أن تصدق معهم ٥ مرات كى يقولوا إنك صادق، فنظام الحكم عليه عبء بناء الثقة من جديد، وﻻ تكذب وﻻ تنتهك حريات المواطنين، وﻻ حقوقهم، نريد أن يعيش المواطن المصرى مبسوطاً ومبتسماً ومستريحاً، وينتقد بلياقة وأدب، وﻻبد على الحاكم أن يتسع صدره لهذا النقد، فإذا بنيت الثقة سيعطى المصرى عطاء هائلا.
■ ما أهم ما تقوم به الثورة؟
- لقد رأينا من قبل كيف أن التحديات تتوهج معها ملكات الإنسان وإبداعه، ولذلك أقول إن أهم عمل عملته هذه الثورة لم يظهر بعد، وهو إعادة الأمل لشعب مصر.
■ متى نحصد ثمار الثورة فى تقديرك؟
- قريبا ولكن ﻻ تنتظروه «بعد الظهر» أى ﻻ تستعجلوا حصاد الثمار، ﻷنه سيأتى يوما بعد يوم، وطبعا الحكومة الذكية أيا كان مكانها هى التى تحسن نقل ما يصل من عوائد التنمية إلى المواطنين، ولو اقتضى اﻷمر تعديل الخطة قليلا، فلا يجب على الإطلاق أن أترك الناس تتضور جوعا، من أجل تنفيذ الخطة فى ميعادها بل ينبغى أن آخذ من الخطة اﻷموال كى أغيث المتلهفين، ونحن لدينا ٢.٥ مليون ملهوف على اﻷقل.
■ ما الخطوة التى تلى بناء الثقة؟
- اﻻستمرار فى العمل، خاصة أنه توجد مؤسستان أساسيتان إصلاحهما له اﻷولوية هما مؤسستا التعليم والصحة.
■ القرارات التى اتخذتها حكومة تسيير اﻷعمال السابقة.. ما موقفها القانونى؟
- صحيحة وقانونية، ﻷن لديها تفويضاً، وتدين بالمساءلة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، وهو نفسه مؤسسة مؤقتة.
■ ماذا عن سيادة السلطة القضائية قبل الثورة وبعدها؟
- لم يتضح ما بعد الثورة، لكن توجد إرهاصات فالتعديلات الدستورية عززت مكانة القضاء، فلما أعُطِى القضاء سلطة الإشراف الكامل على اﻻنتخابات تعززت سلطته، فالقضاء هو ضمان الحريات.
■ هل هذه التعزيزات دعمت السلطة القضائية؟
- كل النصوص القانونية يحيط بها مناخ يوجب أن يحترم القانون من جميع مؤسسات الدولة وأولاها رئاسة الجمهورية.
■ هل السلطة القضائية تحتاج لحمايتها؟
- الخليفة المأمون فى الدولة العباسية جعل رواتب القضاة أعلى الرواتب، وحينما سُئِل عن ذلك قال: ﻷعصمهم من السؤال ومن الرشى.
■ فى مقال لك عام ٢٠٠٩ طالبت بتشكيل مجلس إنقاذ وطنى .. ما مدى احتياجنا لمثل هذا المجلس حاليا؟
- أعتقد أن الحاجة ﻻ تزال قائمة، لكن اﻵليات قد تختلف، فقد أرى أننا فى حاجة لمدة ٣ سنوات إلى مجلس الرئاسة فيكون مع رئيس الجمهورية ٤ أشخاص ثلاثة منهم مدنيون والرابع عسكرى، ويكون هذا المجلس للمشورة، ﻷن العبء كبير جدا، وتسييره يحتاج عملاً جماعياً، إنما الإنقاذ الوطنى يجب أن يستمر قليلا، حتى نخرج من اﻷزمة اﻻقتصادية، وندخل فى «سكة» ماليزيا، التى بدأت الإصلاح معنا وسبقتنا بقرنين من الزمان.
■ إذا غابت سيادة القانون ينتشر الفساد؟
- طبعا وسيتحول المجتمع إلى غابة.
■ ماذا عن وضعنا الحالى؟
- وضعنا ليس له حال، نحن فى مرحلة انتقالية، ولسنا أول ناس يمرون بمرحلة انتقالية، وفى هذه المرحلة تشكل تنظيمات مؤقتة إلى أجل معلوم يعقد قبلها مؤتمر تأسيسى وجمعية تأسيسية تنتخب، وهى التى تضع الدستور.
■ ما رأيك فى الاستفتاء؟
- عملية ليست مهمة على الإطلاق فهى «زى قلتها» كيف تسأليننى عن رأيى فى ٢٠٠ نص، وتطلبين منى أن أجيب بنعم أو ﻻ؟!
■ أين النخبة المثقفة مما نحن فيه اﻵن؟
- ما بين متردد وخائف ومنافق، والمناخ العام يهدئ الخائفين ويجعل الطامعين يائسين، أما المنافقون فيتولاهم رب العباد، ﻷنهم ليسوا فاسدين وإنما مفسدون.
■ كيف ترى المصريين حاليا؟
- الشعب المصرى يمر حاليا بمرحلة انتقال من ثقافة قديمة إلى أخرى جديدة فيما يتعلق بسيادة القانون واحترام الحقوق والمشاركة الفعلية فى الانتخابات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق