الجمعة، 5 أغسطس 2011

الشعار الذي منه الجميع ارتجف!!


منذ أسبوع تحديدا, فاهتزت له مصر كلها و ارتجت; وكما لو أن ما حدث هو اكتشاف جديد لم يكن يخطر علي بال بشر في هذا البلد, ونحن حل بهذا البلد!! فإذا بقمقم القلق يتصدع ليخرج منه مارد الخوف, يكاد كل جزيء فيه يهتز ويرتعد: فليس هذا هو أصل الاتفاق, ولم يكن هذا هو الهدف القابع في ثنايا الحسبان.. ولكن هذا هو ما قد حدث!!
أما مكمن استغرابي وتعجبي الشديد إزاء ردة... الفعل تجاه هذا الشعار, فهو قدرتنا الرهيبة علي التناقض و خداع النفس أمام أكبر الأمور وأبسطها علي حد سواء; إذ كأن الشعار الذي دوي قد انطلق في أرجاء الفاتيكان مثلا, وليس في أرجاء أمة تتشدق ليلا ونهارا بالإسلام, وعظمة الإسلام,وسماحة الإسلام, وقيم الإسلام, ورقي تعاليم الإسلام.
فلما يخرج نفر من هذا البلد يدعو إلي تطبيق الإسلام.. إذا بالجميع يرتجف!!
ولكن تري لما يرتجف هؤلاء ؟ أوليسوا مسلمين ؟ فيكون من غير المنطقي أن ينزعجوا من تطبيق تعاليم دينهم ؟ أم تراهم يدعون الإسلام نفاقا لا سمح الله, فلما حان وقت تطبيقه رفضوا تعاليمه ؟ أم تراهم جهال بالإسلام نفسه لا يعرفون عنه سوي القليل مما اعتادوا عليه وارتضوه بالتواتر عن آبائهم في دائرة مفرغة من الجهل المطبق ؟
أعتقد أننا قريبين من مساحة الطرح الأخير وهو الجهل بالإسلام وأننا ارتضينا علي أنفسنا ثوبا ضيقا اقتطعناه من عموم ثوب الإسلام, ثم تصورناه جل الثوب بجهل شديد.
نعم,دعونا نواجه أنفسنا بأن جل علمنا بهذا الدين الحنيف لا يتعدي بابا أو بابين أو ثلاثة بحد أقصي في فروع الشريعة الإسلامية لا تخرج عن محيط العبادات كالصلاة والصوم, يزداد عليها أمور نتعلمها بحكم الظروف كالنكاح والزكاة والغسل والتكفين والدفن, وسلاما علي بقية أبواب الفقه, وإن كنت أشك في كوننا علي دراية كاملة بتفاصيل ما أسلفناه أساسا, وإنما اجتهادات سماعية شفاهية تفتقد إلي التفصيلات.
فلما يتجسد أمامنا شبح تطبيق الشريعة, سرعان ما نقفز جميعا وفي ذات اللحظة تقريبا إلي باب واحد بعينه, ألا وهو باب الحدود والقصاص, لا عن علم بظروف تطبيق هذا أو ذاك, وإنما عن مخاوف جاهلة سربها إلي نفوسنا من لم يتعلموها أصلا, وإنما من سمعوا بها وجعلوا من ظروف تطبيقها نموذجا للعشوائية والبطش وهي من ذلك براء; ذلك لأن أوجه القصاص وإقامة الحدود في الشريعة الإسلامية بها من المخارج المرنة والعادلة ما أتحدي أن ينطوي عليه أي قانون وضعي!! دعني أوضح لك مقصدي:
فلقد كان مثلا من بين المسائل الفقهية التي استوقفتني في باب الجنايات وأشعرتني بحجم جهلي قبل دراستها أنه من ضرب رجلا بمر( أي بفأس عريض) فقتله, فإن أصابه بالحديد( أي بالجزء الحديدي من هذا الفأس) قتل به( أي وجب قتله قصاصا), وإن أصابه بالعود( أي بالعود الخشبي المثبتة في آخره قطعة حديد) فعليه الدية!! نحن إذن أمام حالة قتل عمدي بكل ملابساتها بمنطق القانون الوضعي, وبالرغم من ذلك فإن الجزء المستخدم في القتل يعد هو الأهم إسلاميا إلي الدرجة التي تجعل من الإصابة بالجزء الحديدي دليلا علي نية القتل, بينما الجزء الخشبي فيه خلاف, رغم أن الفعل واحد والنتيجة واحدة!! ذلك لأن العصا الحاملة للفأس هي في الأصل آلة تأديب وليست آلة قتل,وهي بمنزلة السوط أي الكرباج!! حتي وإن وجه القاتل للمقتول عدة ضربات متوالية بالعصا فأرداه قتيلا( وفيه خلاف بين الحنفية والشافعية; إذ يراه الشافعي دليلا علي عمدية القتل في هذه الحالة, بينما يري فيه أبو حنيفة شبهة عدم العمدية وأن الشبهات تدرأ الحدود)!!
أعطيك مثالا آخر أكثر غرابة: من غرق صبيا أو بالغا في البحر,فلا قصاص هكذا يري أبو حنيفة النعمان; ذلك لأن الآلة المستخدمة في القتل ونقصد هنا الماء غير معدة للقتل أساسا ولا مستعمله فيه لتعذر استعمالها, ومن ثم تمكنت شبهة عدم العمدية في القتل; فالماء ليس أداة قتل وإنما له استخدامات أخري تجعل من شبهة استخدامه في القتل أمرا يضعف العمدية!!
الأغرب والأغرب من ذلك هو فكرة عفو أولياء القتيل; فإذا عفي واحد فقط من أولياء القتيل عن القاتل نجا, حتي وإن رفض بقية الأولياء ذلك مجتمعين!! بل والأكثر من ذلك أنه إذا ارتضي القاتل أن يقتل( بضم الياء) عقابا له علي جريمته, ثم عدل أولياء القتيل عن قتله, فلهم أن يجبروه علي دفع المال بدون رضاه دفعا للهلاك!! ما هذا ؟ وأي تراحم هذا وأي سمو ؟ نحن إذن لسنا أمام مجزرة دموية ورغبة حثيثة في إراقة الدماء كما يتصورها الجهال من الناس ويصورونها لبقية الجهال منا لبث روح الخوف في النفوس, فكلما تفوه إناس بالشريعة ارتجفت البقية
وأترك الدماء جانبا, وأحدثك مثلا عمن يجوز عليه دفع الزكاة في الشريعة الإسلامية: فهل تعلم أن من استوفي جميع مصروفاته وقضي كل حاجاته فلم يتجاوز( صافي) مكسبه ما يعادل15 ألف جنية في السنة بعد ذلك, فإنه لا يجب عليه دفع زكاة المال!! بل والأكثر من ذلك أنه يحق له أن يتلقي الزكاة ممن حق عليهم دفع زكاة المال!!
أي تكافل هذا ؟ وأي فكر اقتصادي قويم في مقابل( مذبحة ضرائبية) سنوية ينصهر فيها الناس ويكتوون بنيرانها علي يد الدولة التي لم تتواني يوما في اختراع ضريبة تلو أخري أثقلت كاهل الناس وأعدمتهم بهجة الحياة!!
ثم تسمع بعد ذلك عمن يتشدقون بجهل للأسف بمزايا العلمانية وفصل الدين عن الدولة, وقد ينزعج البعض من وصفي لهؤلاء بالجهل, حسنا, ولكن هل يسمح لي هؤلاء بسؤال بسيط أعتقد أنه لم يخطر لهم ببال:
أي دين الذي تودون فصله عن أي دولة تحديدا ؟
أم تراها عبارة رنانة تسيرون في رحابها دون تمييز؟ فهل كلمة دين تلك هي كلمة عامة أم تراها تختلف من دين إلي آخر; وهل لكون أوروبا قد رفعت شعار فصل الدين عن الدولة أن ننخرط نحن في ذات المطلب دونما إدراك بأن الدين الذي أرادوا فصله هناك هو الديانة المسيحية تحديدا وما أحاط بها من ملابسات في إطار التاريخ الأوروبي ما دفع الناس هناك إلي الإلحاح في فصل هذا الدين تحديدا عن الدولة هناك ؟ فما علاقة الديانة المسيحية بالديانة الإسلامية ؟ ثم ما علاقة الدولة في أوروبا بالدولة عندنا ؟ وهل أصبحنا من السطحية إلي الدرجة التي تجعلنا نردد الشعارات كالببغاوات دون آدني تفكير!!
ثم لأجدني ألتفت إلي جل المنزعجين المتناقضين من المسلمين فأسأل:
إذا كان تطبيق الإسلام مزعجا إلي هذا الحد, فهلا أجابني أحدهم وبمناسبة هذا الشهر الكريم: لما تحمل مشقة الصوم أصلا في المقابل ؟ فهل ترانا نؤمن ببعض الكتاب ولا نؤمن ببعضه ؟ أم تري الصوم شيئا والإسلام شيئا آخر ؟ أم تري الصوم قد أصبح في بلادنا مجرد فكرة فولكلورية دأب الناس علي إحيائها سنويا دون علم بأصل فكرتها كنوع من التفاعل التلقائي مع موسم الدراما التليفزيونية وبرامج الكاميرا الخفية عقب الإفطار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق